فصل: القسم الثاني: من هذا الباب الأسماء الدالة على كيفية الوجود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة السابعة: في لفظ الصورة:

وفيه أخبار:
الخبر الأول:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله خلق آدم على صورته» وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقبحوا الوجه فإن الله تعالى خلق آدم على صورة الرحمن» قال إسحاق بن راهويه: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق آدم على صورة الرحمن».
الخبر الثاني:
عن معاذ بن جبل قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غدوة فقال له قائل: ما رأيتك أسفر وجهك مثل الغداة، قال: «وما أبالي، وقد بدا لي ربي في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت: أنت أعلم أي ربي، فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها فعلمت ما في السموات والأرض».
واعلم أن العلماء ذكروا في تأويل هذه الأخبار وجوهًا: الأول: أن قوله: «إن الله خلق آدم على صورته» الضمير عائد إلى المضروب، يعني أن الله تعالى خلق آدم على صورة المضروب، فوجب الاحتراز عن تقبيح وجه ذلك المضروب.
الثاني: أن المراد أن الله خلق آدم على صورته التي كان في آخر أمره، يعني أنه ما تولد عن نطفة ودم وما كان جنينًا ورضيعًا، بل خلقه الله رجلًا كاملًا دفعة واحدة الثالث: أن المراد من الصورة الصفة يقال صورة هذا الأمر كذا، أي: صفته، فقوله: «خلق الله آدم على صورة الرحمن» أي: خلقه على صفته في كونه خليفة له في أرضه متصرفًا في جميع الأجسام الأرضية، كما أنه تعالى نافذ القدرة في جميع العالم.

.المسألة الثامنة: إطلاق الجوهر على الله لا يجوز:

الفلاسفة قد يطلقون لفظ الجوهر على ذات الله تعالى، وكذلك النصارى، والمتكلمون يمتنعون منه، أما الفلاسفة فقالوا: المراد من الجوهر الذات المستغنى عن المحل والموضوع، والله تعالى كذلك، فوجب أن يكون جوهرًا، فالجوهر فوعل واشتقاقه من الجهر، وهو الظهور، فسمي الجوهر جوهرًا لكونه ظاهرًا بسبب شخصيته وحجميته، فكونه جوهرًا عبارة عن كونه ظاهر الوجود، وأما حجميته فليست نفس الجوهر، بل هي سبب لكونه جوهرًا وهو ظهور وجوده، والحق سبحانه وتعالى أظهر من كل ظاهر بحسب كثرة الدلائل على وجوده، فكان أولى الأشياء بالجوهرية هو هو، وأما المتكلمون فقالوا: أجمع المسلمون على الامتناع من هذا اللفظ فوجب الامتناع منه.

.المسألة التاسعة: إطلاق الجسم لا يجوز:

أطلق أكثر الكرامية لفظ الجسم على الله تعالى فقالوا: لا نريد به كونه مركبًا مؤلفًا من الأعضاء، وإنما نريد به كونه موجودًا قائمًا بالنفس غنيًا عن المحل وأما سائر الفرق فقد أطبقوا على إنكار هذا الاسم.
ولنا مع الكرامية مقامان: المقام الأول: أنا لا نسلم أنهم أرادوا بكونه جسمًا معنى غير الطول والعرض والعمق، وكيف لا نقول ذلك وأنهم يقولون: أنه تعالى فوق العرش، ولا يقولون إنه في الصغر مثل الجوهر الفرد، والجزء الذي لا يتجزأ، بل يقولون: إنه أعظم من العرش، وكان ما كان كذلك كانت ذاته ممتدة من أحد جانبي العرش إلى الجانب الآخر فكان طويلًا عريضًا عميقًا، فكان جسمًا بمعنى كونه طويلًا عريضًا عميقًا، فثبت أن قولهم إنا أردنا بكونه جسمًا معنى غير هذا المعنى كذب محض وتزوير صرف.
المقام الثاني: أن نقول: لفظ الجسم لفظ يوهم معنى باطلًا، وليس في القرآن والأحاديث ما يدل على وروده فوجب الامتناع منه، لاسيما والمتكلمون قالوا: لفظ الجسم يفيد كثرة الأجزاء بحسب الطول والعرض والعمق، فوجب أن يكون لفظ الجسم يفيد أصل هذا المعنى.

.المسألة العاشرة: في إطلاق لفظ الأنية على الله تعالى:

اعلم أن هذه اللفظة تستعملها الفلاسفة كثيرًا، وشرحه بحسب أصل اللغة أن لفظة إن في لغة العرب تفيد التأكيد والقوة في الوجود، ولما كان الحق سبحانه وتعالى واجب الوجود لذاته، وكان واجب الوجود أكمل الموجودات في تأكد الوجود، وفي قوة الوجود، لا جرم أطلقت الفلاسفة بهذا التأويل لفظ الأنية عليه.

.المسألة الحادية عشرة: في إطلاق لفظ الماهية عليه:

اعلم أن لفظ الماهية ليس لفظًا مفردًا بحسب أصل اللغة، بل الرجل إذا أراد أن يسأل عن حقيقة من الحقائق فإنه يقول: ما تلك الحقيقة وما هي؟ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أرنا الأشياء كما هي، فلما كثر السؤال عن معرفة الحقائق بهذه اللفظة جعلوا مجموع قولنا ما هي كاللفظة المفردة، ووضعوا هذه اللفظة بإزاء الحقيقة فقالوا ماهية الشيء أي حقيقته المخصوصة وذاته المخصوصة.

.المسألة الثانية عشرة: في إطلاق لفظ الحق:

اعلم أن هذا اللفظ إن أطلق على ذات الشيء كان المراد كونه موجودًا وجودًا حقيقيًا في نفسه والدليل عليه أن الحق مقابل للباطل والباطل هو المعدوم قال لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل

فلما كان مقابل الحق هو المعدوم وجب أن يكون الحق هو الموجود، وأما إن أطلق لفظ الحق على الاعتقاد كان المراد أن ذلك الاعتقاد صواب مطابق للشيء في نفسه، وإنما سمي هذا الاعتقاد بالحق لأنه إذا كان صوابًا مطابقًا كان واجب التقرير والإبقاء، وأما أن أطلق لفظ الحق على القول والخبر كان المراد أن ذلك الأخبار صدق مطابق لأنه إذا كان كذلك كان ذلك القول واجب التقرير والإبقاء، إذا ثبت هذا فنقول: إن الله تعالى هو المستحق لاسم الحق، أما بحسب ذاته فلأنه هو الموجود الذي يمتنع عدمه وزواله.
وأما بحسب الاعتقاد فلأن اعتقاد وجوده ووجوبه هو الاعتقاد الصواب المطابق الذي لا يتغير عن هذه الصفة، وأما بحسب الأخبار والذكر فلأن هذا الخبر أحق الأخبار بكونه صدقًا واجب التقرير، فثبت أنه تعالى هو الحق بحسب جميع الاعتبارات والمفهومات والله الموفق الهادي.

.القسم الثاني: من هذا الباب الأسماء الدالة على كيفية الوجود:

اعلم أن الكلام في هذا الباب يجب أن يكون مسبوقًا بمقدمات عقلية.

.كونه تعالى أزليًّا:

المقدمة الأولى: اعلم أن كونه تعالى أزليًا أبديًا لا يوجب القول بوجود زمان لا آخر له، وذلك لأنا نقول: كون الشيء دائم الوجود في ذاته إما أن يتوقف على حصوله في زمان أولًا يتوقف عليه، فإن لم يتوقف عليه فهو المقصود، لأن على هذا التقدير يكون تعالى أزليًا أبديًا من غير حاجة إلى القول بوجود زمان آخر، وأما أن توقف عليه فنقول: ذلك الزمان إما أن يكون أزليًا أو لا يكون فإن كان ذلك الزمان أزليًا فالتقدير هو أن كونه أزليًا لا يتقرر إلا بسبب زمان آخر فحينئذٍ يلزم افتقار الزمان إلى زمان آخر فيلزم التسلسل، وأما إن قلنا أن ذلك الزمان ليس أزليًا فحينئذٍ قد كان الله أزليًا موجودًا قبل ذلك الزمان، وذلك يدل على أن الدوام لا يفتقر إلى وجود زمان آخر، وهو المطلوب، فثبت أن كونه تعالى أزليًا لا يوجب الاعتراف بكون الزمان أزليًا.

.كونه تعالى باقيًا:

المقدمة الثانية: أن الشيء كلما كان أزليًا كان باقيًا، لكن لا يلزم من كون الشيء باقيًا كونه أزليًا، ولفظ الباقي وورد في القرآن قال الله تعالى: {ويبقى وَجْهُ رَبّكَ} [الرحمن: 27] وأيضًا قال تعالى: {كُلُّ شيء هَالِك إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] والذي لا يصير هالكًا يكون باقيًا لا محالة، وأيضًا قال تعالى: {هُوَ الأول والأخر} [الحديد: 3] فجعله أولًا لكل ما سواه، وما كان أولًا لكل ما سواه امتنع أن يكون له أول؛ إذ لو كان له أول لامتنع أن يكون أولًا لأول نفسه، ولو كان له آخر لامتنع كونه آخرًا لآخر نفسه، فلما كان أولًا لكل ما سواه وكان آخرًا لكل ما سواه امتنع أن يكون له أول وآخر، فهذا اللفظ يدل على كونه تعالى أزليًا لا أول له، أبديًا لا آخر له.
المقدمة الثالثة: لو كان صانع العالم محدثًا لافتقر إلى صانع آخر، ولزم التسلسل، وهو محال فهو قديم، وإذا ثبت أنه قديم وجب أن يمتنع زواله، لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه.
إذا ثبتت هذه المقدمات فلنشرع في تفسير الأسماء:

.اسمه تعالى القديم:

الاسم الأول: القديم، واعلم أن هذا اللفظ يفيد في أصل اللغة طول المدة، ولا يفيد نفي الأولية يقال: دار قديم إذا طالت مدته، قال الله تعالى: {حتى عَادَ كالعرجون القديم} [ياس: 39] وقال: {إِنَّكَ لَفِى ضلالك القديم} [يوسف: 95].

.اسمه تعالى الأزلي:

الاسم الثاني: الأزلي، وهذا اللفظ يفيد الانتساب إلى الأزل، فهذا يوهم أن الأزل شيء حصل ذات الله فيه، وهذا باطل، إذ لو كان الأمر كذلك لكانت ذات الله مفتقرة إلى ذلك الشيء ومحتاجة إليه، وهو محال، بل المراد وجود لا أول له ألبتة.

.عدم أوليته تعالى:

الاسم الثالث: قولنا لا أول له، وهذا اللفظ صريح في المقصود، واختلفوا في أن قولنا لا أول له صفة ثبوتية أو عدمية، قال بعضهم: إن قولنا لا أول له إشارة إلى نفي العدم السابق ونفي النفي إثبات، فقولنا لا أول له وإن كان بحسب اللفظ عدمًا إلا أنه في الحقيقة ثبوت، وقال آخرون: أنه مفهوم عدمي، لأنه نفي لكون الشيء مسبوقًا بالعدم، وفرق بين العدم وبين كونه مسبوقًا بالعدم، فكونه مسبوقًا بالعدم كيفية ثبوتية، فقولنا لا أول له سلب لتلك الكيفية الثبوتية، فكان قولنا لا أول مفهومًا عدميًا، وأجاب الأولون عنه بأن كونه مسبوقًا بالعدم لو كان كيفية وجودية زائدة على ذاته لكانت تلك الكيفية الزائدة حادثة، فكانت مسبوقة بالعدم، فكان كونها كذلك صفة أخرى، ولزم التسلسل، وهو محال.

.اسمه تعالى الأبدي والسرمدي:

الاسم الرابع: الأبدي، وهو يفيد الدوام بحسب الزمان المستقبل.
الاسم الخامس: السرمدي، واشتقاق هذه اللفظة من السرد، وهو التوالي والتعاقب، قال عليه الصلاة والسلام في الأشهر الحرم: «واحد فرد وثلاثة سرد» أي: متعاقبة، ولما كان الزمان إنما يبقى بسبب تعاقب أجزائه وتلاحق أبعاضه وكان ذلك التعاقب والتلاحق مسمى بالسرد أدخلوا عليه الميم الزائدة ليفيد المبالغة في ذلك المعنى.
إذا عرفت هذا فنقول: الأصل في لفظ السرمد أن لا يقع إلا على الشيء الذي تحدث أجزاؤه بعضها عقيب البعض، ولما كان هذا المعنى في حق الله تعالى محالًا كان إطلاق لفظ السرمدي عليه مجازًا، فإن ورد في الكتاب والسنّة أطلقناه وإلا فلا.